لا تخفى على البصير أهميّة الإصلاح الفكريّ، من تشخيصٍ نقدٍ،
ومعالجةٍ وتخطيطٍ وتنظيرٍ، وضرورة رسم الصورة المستقبليّة
لمسيرة الأمّة، وهي في طريق تلمّسها سبل الخلاص، ولا يعاب على
أحدٍ أن يبدع في نظريّاته، وتخطيطه لمراقي الفلاح، ومعارج الأمم،
للتقدّم والرقيّ، فذلك كلّه مطلوب بإلحاح..
المكتبة
-
-
هذه حقيقةٌ يعيشها المسلمون اليوم، بين نبلِ الشعارات، وصفاءِ
النيّات، وعظيم التضحيات من جانب، وبين الناتج المحدود،
والجدوى المختزلة لتلك التضحيّات، والعمل المضني، بعد عقودٍ من
الكفاح للإصلاح والتغيير. -
ليس المقصود بهذا المقال التزلّف للغرب، كما يشاع عند أيّ حديث عن
الديمقراطيّة.
ولكنّ المقصود هو إعادة النظر في طريقة تعاطينا النمطيّ المجتزأ مع
الأفكار والمنظومات السياسيّة ذات المنشأ الغربيّ، إن صحّ التعبير،
وبخاصّة بعد هذه الخسارات الكبرى التي نكبت بها الحركات الاسلاميّة، إن
كانت هذه النكبات لظروفٍ موضوعيّة، أو لعوامل ذاتيّة، وهي الأكثر
خطورة لتعقّد التحليل والعلاج. -
السياسيّة) ولا تنتمي إلى التحليل الفلسفيّ، ولذلك
لن نذهب إلى تأصيل (معنى إسلاميّ) أو (علمانيّ)، وإنّما سنستخدم المعنى الشائع
بين الناس. -
لم يعد خافياً على منتسبي (الربيع العربيّ) خطورة التنظيمات
التكفيريّة التي هي أشبه ما تكون -أو هي حقيقةً- بالعبوّات الناسفة
التي انفجرت في وجه ثورة الحريّة والكرامة، فكانت الألغام التي
بترت أقدام الثائرين، والعصا الغليظة التي دقّتهم على جماجمهم
غدراً وبغياً، ومعلوم ماجرّ التنظيم الباطنيّ المسمّى (تنظيم الدولة)
على المنطقة من كوارث، ليس أقلَّها التدميرُ والتهجير، بل تتجاوز
لزرع الشكوك في قدرة وفعاليّة أيّ مشروع إسلاميّ مستقبليّ، لو لم
يحفظ من إسلاميّته إلا الاسم أو الشعار، وذلك لما ورَّثه هذا التنظيم
الضالّ في الفكر والسلوك لغيره من مكوّنات المجتمع المسلم،
ولكن الذي يخفى على كثيرٍ حتّى الآن أنّ هناك نوعاً من المفخّخات
والعبوّات التي ساهمت بتدمير ربيعنا العربيّ، ولكنّها لا تستخدم
السيفور ولا البارود، ولا الأحزمة والستر الناسفة، وإنّما ترتدي ثياب
المنظِّرين والمحلِّلين، ويحتلّون مساحة واسعة في فضائيّات تلفزيونيّة
كبرى، ولهم من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي الألوف،
ويطرحون أنفسهم كشخصيّات متديّنة معتدلة مؤمنة بالحريّة
والكرامة، ومعارضة الأنظمة الاستبداديّة، ولكنّهم يمزُجون بذلك –
عن قصد واحتراف- السمَّ الناقع في ثنايا إطلالاتهم وحساباتهم،
بالدسم. -
بدأ ربيع إيران الأول منذ زمن بعيد في بداية القرن العشرين بما عرف بالحركة الدستورية وتحويل إيران من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية ولكن الحروب العالمية حالت دون تمام إنجازات هذه الحركة حتى أواخر الأربعينيات وبعد خروج إيران من الحرب العالمية الثانية أسفرت مطالبٌ شعبية عن إجراء إنتخابات فاز بها الدكتور محمد مصدق (زعيم الحركة الوطنية الإيرانية ورئيس الوزراء الإيراني في أوائل الخمسينات) و وصل للسلطة و كان معروفاً بنزاهته وإخلاصه للشعب الإيراني حيث سعى لوضع حد لسلطات الأسرة الحاكمة وتعميق الملكية الدستورية في البلاد واستقلال قرار الشعب الإيراني
-
الاستبداد منظومة متراكمة من السعي للسلطة عن طريق التغلّب، وإدارتها بطريقة التفرّد والاستحواذ، وقمع المخالف، والتنكيل به، والخوض في المقدّرات العامّة، مع التخطيط لتوريث هذه المنظومة للقريب والشبيه، في إصرار على خنق روح المساءلة والمحاسبة، وتعويم الفساد.
-
ماذا يعني تجديد الخطاب الدينيّ؟
إنّ كلمة تجديد (الخطاب الدينيّ) تحدث بشكلٍ فوريّ جدلاً واسعاً بين أطياف عدّة من المهتمّين بالفكر الدينيّ والفلسفيّ، ومن عدّة زوايا، فيراها المحافظون تفريطاً، ويراها السلفيّون ابتداعاً، ويراها التقليديّون استشراقاً واختراقاً، ويراها المجدّدون تنويراً، وتترافق الدعوات للتجديد بالتزامن مع التحوّلات السياسيّة والتاريخيّة الكبرى، مثل ظهور القوميّات، وولادة الدولة الوطنيّة، والانكسارات العسكريّة، أو تلك التي تحدث تحوّلات فكريّة وسياسيّة كحملة (نابليون) على مصر، أو إلغاء منصب الخلافة العثمانيّة 1924، أو نكسة عام 1967، وكذلك دمويّة الأنظمة الاستبداديّة وقمعها للربيع العربيّ. -
منذ إعلان دولة اسرائيل، هرعت الجيوش العربيّة لخوض معركة 1948 مع إسرائيل، والتيّ توّجت بنكبة 1948، واستقرّت بعدها الأوضاع على لاءات العرب، وخطب الملوك والزعماء، في الوقت الذيّ كانت فيه إسرائيل تزيد من حجم المكوّن اليهوديّ، وتستقدم الهجرات من شتّى أنحاء الأرض، حتّى أكملت احتلال القدس، عام 1967، وهزيمة الجيوش العربيّة، ومنذ ذلك الوقت والقدس ترزح تحت الاحتلال الإسرائيليّ المباشر، ولم يتغيّر شيء يذكر عند النظام العربيّ الرسميّ، إلا ما أضيف له بعد قيام ثورة الخمينيّ عام 1979، حيث زاد في أدبيّات المقاومة ضخاً متزايداً من الخطابات والشعارات التي تتوعّد بتدمير إسرائيل، وهزيمة أمريكا، ورفعت شعارات: (الموت لإسرائيل)، وتشكّلت: فيالق تحرير القدس، وجيوش الأقصى، وسمّي يوم القدس العالميّ، وشهر القدس، وأسبوع القدس، وصنعت باسمها الصواريخ، وطبعت باسمها الطوابع، وسُكّت بصورتها العملات، ورسمت قبّتها المذهّبة على شارات البلاد، ولكن على أرض الواقع شيء ما لم يتغيّر، فلا تزال القدس محتلّة، والشرطة الإسرائيليّة على مشارف أبواب الأقصى، وقطعان المستوطنين تداهم الحرم الشريف بين الفينة والأخرى، بمن فيهم جزّار (صبرا) و(شاتيلّا) المجرم (أرييل شارون) رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابق …
-
تحت وطأة الصدمات الكبرى، والهجمات المتلاحقة، يلوح خيار الانسحاب من المشهد، والتحيّز لفئةٍ مناصرة، أو التحرّف لخطّةٍ بديلة، ولكن يبقى هذا مفهوماً ضمن الظروف المعتبرة، والأماكن المجاورة لشنّ الهجوم المعاكس، ولا يقبل بتغيير الأرض، والتسليم بالواقع المرّ، قبل استنفاد جميع الوسائل الممكنة.