تبقى منطلقات المشروع الحضاري خاضعة لثنائية الإحياء والحداثة.
اي بين استحضار الماضي المتمثل بسلطة النص، وبين سلطة الواقع الممثلة بالعقل.
وغالب ما كتب، سواء أكان بقصد التصالح بين السلطتين ام كان بالدعوة إلى القطيعة المعرفية بينهما، بأن يجهِّل أحدهما الاخر أو يخونه، لم يصل إلى الغاية المنشودة وهي ان يصل العاملون تحت هاتين السلطتين إلى مشروع نهضوي مقنع ومرتضى.
ولكن هذا الهاجس لازال يحرك القرائح الغيورة والمحبطة في الوقت ذاته، لتقديم مقاربات تمهد لاجتماع السلطتين على صعيد واحد.
وذلك بابتعادها عن المساس بالنص أواللجوء إلى تحويره وبابتعادها عن تأليه العقل..
ظهرت مقاربتان تتبنيان هذه المقولة، فبدل ان تتعامل مع النص اتهاما او تحويرا، قالت سأبحث في العقل الذي تعامل مع النص ومع الواقع..
المقاربة الأولى : قام بها الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه ( بنية العقل العربي) عندما حاول الدخول إليه عن طريق تفكيكه ووضع اليد على المؤثرات الفعالة فيه ، ليصل إلى معرفة طريقة التعامل مع النص .
فهي محاولة إحيائية، ولكنها لا تدعو إلى اعمال النص وحده وإنما إلى معرفة الكيفية التي تعامل العقل العربي بعلمائه معها.
المقاربة الثانية :قام بها الدكتور برهان غليون في كتابه ( اغتيال العقل) حيث جعل من منطلقاته فهم العقل الحديث وتركيباته وكيفية فهمه للنص وأثر الواقع عليه.
فهي – اذا – محاولة حداثية، تخضع لمقولات الحداثة.
وهما مقاربتان الأولى تنطلق في البحث ( من العقل القديم) ، والثانية تنطلق في البحث ( من العقل الحديث)
وهاتان المقاربتان جديتان ومقبولتان لأنها ابتعدتا عن الدعوة إلى القطيعة المعرفية بين أصحاب هذه الثنائية. وشكلتا إضافة حقيقية للفكر العربي المعاصر بعيدا عن الشنشنة المعروفة والمكرورة بين أصحاب المذهب الاحيائي ( سلطة النص) وبين المذهب الحداثي ( سلطة العقل).