ربيع إيران المنتظر
بدأ ربيع إيران الأول منذ زمن بعيد في بداية القرن العشرين بما عرف بالحركة الدستورية وتحويل إيران من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية ولكن الحروب العالمية حالت دون تمام إنجازات هذه الحركة حتى أواخر الأربعينيات وبعد خروج إيران من الحرب العالمية الثانية أسفرت مطالبٌ شعبية عن إجراء إنتخابات فاز بها الدكتور محمد مصدق (زعيم الحركة الوطنية الإيرانية ورئيس الوزراء الإيراني في أوائل الخمسينات) و وصل للسلطة و كان معروفاً بنزاهته وإخلاصه للشعب الإيراني حيث سعى لوضع حد لسلطات الأسرة الحاكمة وتعميق الملكية الدستورية في البلاد واستقلال قرار الشعب الإيراني
ولكن ذلك لم يدم طويلاً حيث أطيح بحكومته في انقلاب 19 آب عام 1953 وعودة نظام الشاه محمد رضا بهلوي الديكتاتوري إلى السلطة وإزالة جميع مكتسبات الحكومة الديمقراطية ، واستمرفي الحكم بمساعدة جهاز الإستخبارات العسكرية السرية المعروف ب (السافاك) والذي قامت بتدريبه وتجهيزه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
بعد إنقلاب 1953 وإزاحة مصدق عن الحكم بدأ الشعب الإيراني من جديد يفكر بالثورة على نظام الشاه والسافاك بسبب القمع والظلم والإضهاد والإرتهان الكامل للغرب
وإيران كغيرها من الشعوب العربية والإسلامية تأثرت بموجة الصحوة الإسلامية بعد عام 1967 وإحتلال إسرائيل للقدس حيث زاد نشاط الجماعات الدينية في إيران وبروز صوت رجال الدين ومنهم الخميني في مدينة قم الإيرانية والذي كان من ضمن المعارضين لنظام الشاه البهلوي
وكان الفصيل الأبرز يومها هو منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والتي تم قمعها بكل وحشية من قبل نظام الشاه في عام 1972 وإعدام قادتها باستثناء مسعود رجوي الذي أفرج عنه بعد عام 1979 ونجاح الثورة
توسعت الإحتجاجات الشعبية في أواخر السبعينيات وكانت الثورة الإيرانية ثورةً شعبية تشبه لدرجة كبيرة الثورات العربية التي إندلعت بعد عام 2011 في أهدافها وبساطتها ومكوناتهاحيث شارك بها الإسلاميون والعلمانيون واليساريون وجميع فئات المجتمع ومثلت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية مثالاً وسطاً للشعب الإيراني بأرضيتها المتدينة وأهدافها السياسية المعاصرة في إقامة الدولة الديمقراطية
بينما كان الخميني يحاول إجتذاب القوى المتدينة لصالح رجال الدين المؤمنين بنظرية ولاية الفقيه والتي تنص على إنه لابد من إقامة حكومة إسلامية يرأسها الفقيه الأكبر نيابة عن المهدي الغائب حسب الرواية الشيعية! ،
إلا أنه وبنفس الوقت ولدهائه ونصائح المستشارين الغربيين له كان لايجهر بذلك حتى لايخسر تحالفاته الثورية مع العلمانيين واليساريين وحتى مع الإسلاميين المتنورين
ويمكن أن نقول أن الثورة غنقسمت ىإلى مرحلتين
المرحلة الاولى دامت تقريباً من منتصف 1977 إلى منتصف 1979، وشهدت تحالفاً مابين الليبراليين واليساريين والجماعات الدينية لإسقاط الشاه.
و المرحلة الثانية، غالباً ما تسمى (الثورة الإسلامية)، شهدت بروز( آيات الله) وتعزيز السلطة والقمع وتطهير المعارضة من كل منافس للخميني،
وفي 16 كانون الثاني 1979 غادر الشاه إيران نزولاً عند طلب رئيس الوزراء شاهبور بختيار الذي أعلن حل الشرطة السرية المعروفة ب (السافاك)، وأفرج عن السجناء السياسيين، ووعد بانتخابات حرة وأمر الجيش بالسماح للمظاهرات الشعبية. وطلب من الخميني تأسيس دولة مثل الفاتيكان في قم وتبقى طهران عاصمة للدولة الحديثة ، إلا أن الخميني رفض طلبه وقام بتسلم السلطة وقام بإزالة كل أعداءه أوحلفائه الذين باتوا عقبة أمامه وكل من يرفض تطبيق نظام ولاية الفقيه في جمهورية إسلامية يقودها بنفسه.
استخدم الخميني أسلوب التكفير للتخلص مع معارضيه حيث كان يوجه تهمة حرب الحكومة الإسلامية لكل معارض له وأنه بذلك يحارب الإسلام كما أنه استخدم الحرب مع العراق ذريعة لقمع المجموعات المعارضة بما في ذلك التعذيب والسجن غير القانوني بتهمة الخيانة .
وهكذا استطاع الخميني خطف الربيع الإيراني من ثورة شعبية تطالب بالحقوق الإنسانية من العدالة والحرية والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة إلى دولة كهنوتية تكفيرية تسعى لاسترجاع ثارات الماضي ونبش عوامل الهدم الثقافية للأمة في إيران ومحيطها العربي والإسلامي
والآن وبعد أقل من 40 عاماً بقليل وبعد آلاف الكوارث التي أنزلها حزب الخميني على الشعب الإيراني من قتلٍ وتهجير وإفقار وزجه بحروب طائفية مقيتة في العراق وسوريا واليمن ولبنان
هل سيعود الشعب الإيراني لربيعه الثاني في تخليص نفسه وشعوب المنطقة من أعتى أنظمة التاريخ غدراً وقهراً وباطنية وطائفية
هذا ماستجيب عنه الأيام القادمة في شوارع إيران من جديد ولاسيما بعد الإستلهام الموفور من ثورات الربيع العربي
حسن الدغيم
باحث
في مؤسسة رؤية
للثقافة والإعلام