بسم الله الرحمن الرحيم
القدس: بين التحرير والارتزاق
منذ إعلان دولة اسرائيل، هرعت الجيوش العربيّة لخوض معركة 1948 مع إسرائيل، والتيّ توّجت بنكبة 1948، واستقرّت بعدها الأوضاع على لاءات العرب، وخطب الملوك والزعماء، في الوقت الذيّ كانت فيه إسرائيل تزيد من حجم المكوّن اليهوديّ، وتستقدم الهجرات من شتّى أنحاء الأرض، حتّى أكملت احتلال القدس، عام 1967، وهزيمة الجيوش العربيّة، ومنذ ذلك الوقت والقدس ترزح تحت الاحتلال الإسرائيليّ المباشر، ولم يتغيّر شيء يذكر عند النظام العربيّ الرسميّ، إلا ما أضيف له بعد قيام ثورة الخمينيّ عام 1979، حيث زاد في أدبيّات المقاومة ضخاً متزايداً من الخطابات والشعارات التي تتوعّد بتدمير إسرائيل، وهزيمة أمريكا، ورفعت شعارات: (الموت لإسرائيل)، وتشكّلت: فيالق تحرير القدس، وجيوش الأقصى، وسمّي يوم القدس العالميّ، وشهر القدس، وأسبوع القدس، وصنعت باسمها الصواريخ، وطبعت باسمها الطوابع، وسُكّت بصورتها العملات، ورسمت قبّتها المذهّبة على شارات البلاد، ولكن على أرض الواقع شيء ما لم يتغيّر، فلا تزال القدس محتلّة، والشرطة الإسرائيليّة على مشارف أبواب الأقصى، وقطعان المستوطنين تداهم الحرم الشريف بين الفينة والأخرى، بمن فيهم جزّار (صبرا) و(شاتيلّا) المجرم (أرييل شارون) رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابق …
لماذا لم تتحرّر القدس حتّى الآن؟
ليس لأنّ إسرائيل دولة قويّة، تملك ترسانة كبيرة من الأسلحة فقط، وليس فقط لأنّ إسرائيل تمتلك (جيش الدفاع الإسرائيليّ) الذي تصفه بأنّه: (الجيش الذي لا يقهر)، وليس لأنّ إسرائيل مدعومة غربيّاً، وأمريكيّاً على وجه الخصوص .. هذه الأسباب كلّها كانت في كلّ حرب، وفي كلّ زمان، ولم تمنع من التحرير، وإنّما تجعل ثمنه مُكلفاً فقط..
السبب الحقيقيّ في عدم تحرير القدس هو: الرغبة الحقيقيّة في بقائها محتلّة من قبل غرفة التجارة بالقدس، المشكّلة من منظومة الأنظمة الاستبداديّة والطائفيّة في المنطقة..
التجّار الذين فقدوا شرعيّتهم الشعبيّة في تولّيهم مقاليد الحكم في بلادهم، فبين من آل إليه الحكم في عقد زواج أبيه وأمّه، فلا لشعب رجع، ولا لشورى استشار، ولا انتظر أمّته يوماً بأن تقرّه، فضلاً عن أن تحاسبه، بل ويشعرها بفضله وكرمه أن تحمل عنها المسؤوليّات الصعاب، وقدّم نفسه للخدمة العامة.
وبين من قام بانقلاب عسكريّ، وجاء للسلطة على ظهر الدبابة، وقتل كلّ معارض، وخنق كلّ حرّ، وجعل البلاد مزرعة له، وورّثها لوريث قاصر، لا يرى (القدس) إلا في كتم أنفاس أطفال (الغوطة)، و(خان شيخون) المخنوقة بغاز (السارين)، ولا يراها إلا من خلال العظام البارزة من صدور أطفال (الرستن) و(دير الزور)، بل ويستعين برأس محور المقاومة والممانعة الملتحي بالزور، ليستقدم شبّيحته ويحاصر أبناء (القصير) و(مضايا) و(الزبدانيّ)، فيتضوّروا جوعاً، ويساوموهم على وطنهم، ويجبروهم على ترك بلادهم، ويتركوهم للشتات في الأرض.
وبين جيش لم تتحرّك جرّافاته منذ ثلاثين سنة باتجاه القدس، إلا عندما دعت لها الحاجة لسحق المدنيّين المحتجين في (ساحة رابعة)، مطالبين بعودة رئيسهم الشرعيّ.
هؤلاء بعض أعضاء غرفة التجارة الذين نعوّل عليهم في تحرير القدس… ولماذا يحرّرونها؟ هل من أحد يُتْلف رأسَ ماله وحصّالة رزقه؟!.. هؤلاء ستبقى القدس مصدراً لشرعنة حكمهم، من أجلها تصرف الموازنات الضخمة على وزارات الدفاع، بحجّة الأمن القوميّ، وتجيّش (فيالق القدس) لاحتلال (الرقّة) و(دير الزور)، وتحريرها من أهلها، بحجّة تنظيف طريق القدس، ومن أجل القدس تدمّر (سوريّة) وتغزوها عشرات الميلشيّات، التي تلطم على (الحسين) وتقتل آل (بيت محمّد) وتدّعي المظلوميّة، وترتكب أفظع صور الظلم بحقّ شعب خرج مثل كلّ شعوب العالم، بحثاً عن حقوقه الإنسانيّة…
كم ستكون الصدمة كبيرة لو وضعت صناديق الزجاج يوماً في (القدس)، وقيل لأهلها: من تختارون أن يحتلّ بلدكم؟…
قائد فيلق القدس؟ أم زعيم حزب الله؟ أم قائد الجيش السوريّ؟ أم (حسن روحانيّ)؟ أم الجيش الإسرائيليّ … ماذا تتوقّعون النتيجة؟ بالتأكيد إنّ أهل القدس لن يختاروا محتلّاً على محتلّ، ولن يبيّضوا لإسرائيل صفحة، بحجّة جرائم (إيران)، ومع هذا أنا متأكّد أنّ الأوراق التي ستوضع في الصناديق ستكون بيضاء على أقل تقدير، فكيف سيقبل أهل القدس أن تغزوهم فيالق وجيوش قتلت شعوبها وسامتها سوء العذاب، وخنقت أطفالها بالغاز؟ وليس في سجلّاتها إلا المسالخ البشريّة، والبراميل المتفجّرة، وعمائم الموت للعرب والمسلمين، من نظام (الملالي) كبير القراصنة وشهبندر اللصوص…
القدس طاهرة لا تقبل إلا طاهراً، وجميلة لا تريد أن يجوس في ساحتها السفّاحون،
بل يبدأ طريق القدس حقيقةً من تطهير البلاد من أنظمة العمالة والاستبداد والطائفيّة، التي تمنع الشعوب من التعبير عن وجودها ومصيرها، في دائرة التأثير السياسيّ.
انتهى