يبدو أن نجاح الفرد السوري وفشل من يتصدون لقيادته، من الأمور التي يشهد التاريخ
بتكرارها؛ ولا تشكل الثورةالسورية المجيدة أي استثناء في هذا.
إن ما قدمه السوريون من تضحيات وما تحملوه من أذى من أجل كرامتهم وحريتهم يشكل
نبراسا للأجيال القادمة على امتداد العالم!
لكن من المؤسف جداً أنه لا يكافئ ذلك سوى فشل القيادات التي تصدت لقيادة الثورة مع
استثناء القليل منهم!
حين يفشل من يُظن أنهم قادة في تحديد أولويات المرحلة فهذا لا يعني شيئاً سوى النزاع
والضياع والمزيد من الاستنزاف
للثورة والبلد عامة.
أستطيع القول في هذا السياق إن للثورة أولويتين اثنتين: الخلاص من النظام المجرم بوصفه
شرطا لإقامة نظام حكم تعددي صالح و الحفاظ على وحدة البلاد.
كلا الأولويتين يحتاج إلى توافق وطني بين قيادات الثورة و نخبها.
التوافق يقوم على الرضا بالحد الأدنى من المطالب لكل فريق لأنه لا يمكن أن نلتقي في
وسط الطريق إلا بهذا.
المشكل هو تمترس نسبة لا يستهان بها من الإسلاميين والعلمانيين حول مطالب هي موضع
نزاع شديد بين الفريقين.
سورية أشبه ببناء كبير وهو مملوك لكل أبنائه بالتساوي ولا بد من الاتفاق بين الملاك على
طريقة صيانته وحمايته وسبل الانتفاع به…
إن لكل واحد من ساكني ذلك العقار أن يقوم بما يحلو له داخل بيته ولكن بشرط عدم إيذاء
جيرانه وإيذاء المظهر العام لذلك المبنى.
إن اختلاف النخب الثورية حول شكل الدولة ودستورها قد أخر سقوط النظام المجرم وزاد
في معاناة السوريين إلى الحد الأقصى وما كان لذلك أن يحدث لولا تجاهل الروح الأولى
للثورة وهي روح وطنية بامتياز .
الثورة قامت من أجل الحرية والعدالة والكرامة وضدالظلم والفساد والاستبداد
لا أكثر ولا أقل.
الثورة لم تنطلق لتاسيس دولة الشريعة مع أن كل مطالبها شرعية إسلامية ولم تنطلق لتشيّد
صرحا للعلمانية أو الإلحاد وإن كان من حق الجميع أن يعبر عن آرائه وأفكاره في إطار
الدستور وما يتم على هامشه من توافقات.
البساط الوطني وحده هو الذي يتسع لنا جميعا ولا بديل عنه وقد آن لنا أن نؤجل الكثير من
اختلافاتنا حتى نحقق أولويات الثورة وبعدها يمكن أن نختلف كما يختلف كل سياسيي
العالم.
إني أناشد كل من يشعر بآلام تشرد السوريين في الأرض أن يعملوا على بلورة ما يكفي من
المفاهيم المشتركة بين القيادات الثورية قبل ضياع كل شيء لصالح القتلة والمجرمين.